الحق بالتعويض:
لكل إنسان الحق في الحفاظ على نفسه وماله من إِضرار الغير بهم, وهو من الحقوق الأساسية والبديهية التي تحميها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والمواثيق الدولية. عن أبي سعيد سعد بن سنان الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار). ينبثق من حق الإنسان بالحفاظ على نفسه وماله حقه بالدفاع عن هذا الحق, فمن حقه دفع الأذى ومنع وقوعه, فإن لم يستطع ذلك ووقع الأذى وحصل الضرر قام للمتضرر الحق بالتعويض. يهدف التعويض إلى إعادة حال المتضرر إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر دفاعاَ عن حقه بالحفاظ على نفسه وماله وحفاظاً على العدل في المجتمع.


أمثلة:
1. إذا قام زيد عند بناءه لمنزله, بوضع مخلفات بناء في ارض جاره عمر, وجب على زيد إزالة هذه المخلفات من ارض جاره عمر لتعود الأرض كما كانت عليه قبل وضع المخلفات, أو أن يدفع زيد لجاره عمر مبلغ يكفي لاستئجار مقاول لإزالة هذه الأوساخ.

2. عندما كسر زيد زجاج سيارة عمر وجب عليه إما إصلاح هذا الزجاج بتركيب زجاج بنفس المواصفات أو أن يدفع لعمر ثمن تركيب هذا الزجاج.

3. عندما قام زيد بضرب عمر وتسبب له بكسر في ساقه, اضطر عمر لعدم الذهاب للعمل لمدة شهر, في هذه الحالة وجب على زيد تعويض عمر عن راتبه الشهري لمدة شهر إضافة لتعويضه عن الألم والمعاناة اللذان أصاباه نتيجة لكسر ساقه.

شروط التعويض وديناميكيته
لكي نتحدث عن قضية تعويض لا بد من توافر أربع شروط أساسية, الأول: وجود فاعل يقوم بفعل الإضرار بالغير, ثانيا: أن الفاعل قام بفعل الإضرار بالغير بغير وجه حق, ثالثا: حصول النتيجة وهي وقوع الضرر, رابعا: أن لا تكون هنالك وسيلة لازالة الضرر إلا بالتعويض, أو أن تكون هنالك وسيلة لازالة الضرر ولكن يرفض المضر اتخاذها ويصعب إلزامه بذلك. عند توافر هذه الشروط الأربعة يقوم للمتضرر الحق بالتعويض على أساس تقدير الضرر الواقع على المال أو على الجسد, ومن ثم يُلزم المتسبب بالضرر بتعويض المتضرر بمبلغ من المال كافي لتعويض الضرر.

التأمين على المسؤولية اتجاه الغير:
في حالات عدة يقوم الأفراد في المجتمع بشراء تغطية تأمينية (بوليصة تأمين) لحالات محتملة يضطروا فيها لتعويض الآخرين عن أضرار يكونوا هم مسببيها, فتقوم شركة التامين بالحلول مكان المُؤمن له (مسبب الضرر) وتعوض المتضرر.

أمثلة:
1. يقوم صاحب المركز التجاري بشراء بوليصة تأمين لتغطية نفسه إذا ما اضطر لتعويض احد زبائنه في حالة أصيب بإصابة ناتجة عن استعمال احد مرافق المركز كاستعمال المصعد الكهربائي, فتقوم شركة التامين بالحلول مكان صاحب المركز التجاري وتعوض الزبون.

2. يقوم المشغلين (أصحاب ورشات العمل) بشراء بوليصة تامين لتغطية أنفسهم إذا ما اضطروا لتعويض احد عمالهم في حالة أصيب بإصابة عمل. فتقوم شركة التامين بالحلول مكان صاحب العمل وتعوض العامل.

حجم التعويض كحجم الضرر
إن حجم التعويض يجب أن يساوي حجم الضرر, فالتعويض ليس عقوبة توقع بالمضر ولا هو هبة أو ترضية تقدم للمتضرر, بل هو إرجاع حق قد انتزعهُ منه المضر بغير وجه حق, فهدف التعويض كما تقدم محاولة إعادة حال المتضرر إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر بقدر المستطاع.

تقدير الضرر:
هنالك تمييز بين أضرار الأملاك وأضرار الجسد يترتب عليه تحديد طريقة تقدير الضرر.

أضرار الأملاك:
تقدير الضرر يقوم على أساس تقدير قيمة الشيء المضرور في يوم وقوع الضرر, مثل تهدم منزل أو تحطم سيارة أو دراجة أو سفينة ولهذا نحتاج إلى خبراء التقدير (مخمنين) لمعرفة قيمة الضرر.

متى يقدر الضرر:
يقدر الضرر في يوم وقوعه وليس في يوم التقدير أو في يوم التعويض, فمثلا لو تضررت سيارة ثمنها 100,000 شاقل في يوم 1/1/2005 وقام المخمن بفحصها في يوم 1/9/2005 حيث كان ثمنها في هذا اليوم قد إنخفض إلى 80,000 شاقل وبعد مدة حكمت المحكمة في القضية في يوم 1/1/2007 حيث كان ثمن السيارة في هذا اليوم قد انخفض إلى 50,0000 شاقل, ففي هذه الحالة تحكم المحكمة للمتضرر بتعويض الضرر حسب قيمته في يوم وقوعه أي بمبلغ 100,000 شاقل.

الأضرار الجسدية:
تقسم الأضرار الجسدية إلى نوعين من الأضرار, أضرار مادية وأضرار معنوية.

الأضرار المادية:
تقدير الأضرار المادية الناتجة عن الإصابة الجسدية يقوم على أساس تقدير نتائج الإصابة على دخل المصاب وما قد يتكبده من مصاريف نتيجة لإصابته, فيُقدر ما قد فات الإنسان المتضرر من دخل وما تَكَلَفَهُ من مصاريف ابتدءا من يوم الإصابة حتى يوم التقدير, كذلك يقدر ما سيفوت المتضرر من دخل وما قد يتكبده من مصاريف في المستقبل.

الأضرار المعنوية:
الأضرار المعنوية هي تلك الأضرار التي يصعب تقديرها بمال مثل الألم, المعاناة, الحزن, فقدان المتعة في الحياة, الحسرة على قريب وما إلى ذالك.
يصعب على المرء أن يقدر الألم بمال, فمجرد التفكير بتقدير حزن أم على ولدها بمال فيه من القسوة ما لا ترضى به النفس, ولكن لا بد من تقدير هذا الألم بناءاً على معايير قد ترسخت في أحكام المحاكم حتى يصبح من الممكن تعويض المتضررين معنويا.

المصاريف:
قد يضطر المصاب (المتضرر) إلى صرف مبالغ من المال على نفسه بسبب إصابته, هذه المصاريف تعد من الأضرار التي يجب على مسبب الضرر أن يعوضها للمتضرر, مثل مصاريف العلاج, مصاريف السفر, أجرة الموقف, أجرة مساعد, تكاليف تعديل المسكن ليلائم الإعاقة الصحية للمصاب وكل مصروف آخر كانت الإصابة سبباً لهُ.

تقدير فقدان الدخل في المستقبل:
لتقدير ما قد يفقده الإنسان من دخل في المستقبل يجب أن نقدر ثلاث معطيات أساسيه عليها يبنى التعويض :
1. تقدير معدل دخل المصاب المتوقع للمستقبل قبل الإصابة, أي وهو بكامل صحته.
2. تقدير نسبة الإصابة الصحية ونسبة النقص الوظيفي الناتج عن الإصابة وذلك بالاستعانة بأطباء مختصين.
3. تقدير ما تبقى للمصاب في المستقبل من أيام كان يمكنه أن يعمل فيها وان يحصل على دخل لولا حدوث الإصابة.

نسبة الإصابة الصحية مقابل نسبة الإصابة الوظيفية.
نسبة الإصابة الصحية تقرر بناءا على قوائم حددتها لوائح مؤسسة التامين الوطني, في هذه القوائم حدد لكل إصابة, مرض, نقص أو عجز جسدي نسبة مؤوية تدل على حجم الإصابة الصحية.
أما نسبة النقص الوظيفي, وهي الأهم في موضوع تقدير التعويض, فهي مدى تأثير الإصابة الصحية الجسدية على قيام الشخص المصاب بوظائفه الحياتية وخاصة تأثير الإصابة على مهنته.
لهذا قد نجد حالات تكون فيها نسبة الإصابة الوظيفية اصغر أو اكبر من الإصابة الصحية, فتأثير إصابة الأصابع على من يمتهن عزف البيانو اكبر بكثير من تأثيرها على من يمتهن الحراسة.


مثال لقضية تعويض:
زيد عمره 35 سنة يعمل عند عمر كنجار ويتقاضى راتبا شهريا قدره 7,500 شاقل, عمر مشغل مستهتر همه الشاغل زيادة الأرباح, لذا لم ينصاع لقوانين الأمان في العمل وأبقى آلاته الخطرة بدون واقيات وذلك لتسريع الإنتاج, لكن عمر علم بخطر إمكانية إصابة احد العمال, فقام بشراء بوليصة تامين لنفسه تغطيه في حالة تعرض لمطالبة قانونية بالتعويض.

لسوء حظ زيد, طلب منه عمر العمل على الآلة الخطرة, وفي إثناء العمل زلت يد زيد تحت شفرات الآلة وتقطعت أصابعه.

نتيجة لإصابته تكبد زيد مصاريف للسفر للعلاج ومصاريف مساعد قام بأعمال لم يكن زيد قادرا على القيام بها نتيجة لإصابته.

بعد مرور خمسة شهور وبعد أن التأمت جروح زيد وجد نفسه عاجز عن العمل كنجار ولم يجد له وظيفة أخرى.

توجه زيد لطبيب مختص ليقدر له نسبة إصابته الصحية حيث قدرها الطبيب بنسبة 50%.

توجه زيد للقضاء فرفع دعوى على عمر يطالبه بالتعويض عن الضرر الذي أصابه, عندها قام عمر الماكر بإبلاغ شركة التامين عن الحادثة وعن الدعوى التي رفعت ضده من قبل زيد, فقامت شركت التامين بالحلول مكانه للدفاع عنه وتعويض زيد عن الأضرار التي أصابته.

عندما وصلت القضية للمحكمة قامت المحكمة بتقدير الأضرار بناءا على الأسس التي تقدم شرحها فكان تعويض زيد كالآتي:

تقدير المعطيات الأساسية:
1. قامت المحكمة بناءا عل استشارة طبيب مختص من قبلها بتقدير الإصابة الصحية بنسبة 50% والإعاقة الوظيفية وتأثيرها على عمل زيد في المستقبل بنسبة 60%.
2. قامت المحكمة, بناءا على مقارنة أوضاع سوق العمل, بتقدير مرتب زيد الشهري المستقبلي لولا حدوث الإصابة بـ 9,000 شاقل.
3. قامت المحكمة, بناءا على مقارنة أوضاع سوق العمل, بتقدير سن التقاعد المحتمل لزيد بسن 67 سنة.

تقدير التعويض:
أ‌. التعويض عن الفترة الواقعة ما بين يوم الإصابة حتى يوم الحكم.

1. عوضت المحكمة زيد عن راتب خمسة شهور التي كان فيها غير قادر على العمل:
7,500 شاقل (راتب الشهر الواحد) ضرب 5(عدد الأشهر) = 37,500 شاقل

2. قالت المحكمة انه كان بإمكان زيد, في الفترة التي ما بعد الخمسة شهور الأولى حتى تاريخ الحكم في القضية (بعد سنة من الحادثة), أن يبحث عن عمل يلائم وضعه كأن يعمل حارسا ليلا وبهذا كان بإمكانه تخفيف أضراره بتقاضي راتب شهري مقداره 3,500 شاقل على الأقل. لذا قررت المحكمة تعويض زيد عن هذه الشهور السبعة مبلغ 4,000 شاقل للشهر الواحد.

4,000 شاقل للشهر الواحد ضرب 7 عدد الأشهر = 28,000 شاقل

3. عوضت المحكمة زيد عن المصاريف التي اضطر لصرفها على نفسه مدة العلاج بمبلغ 30,000 شاقل للماضي.

4. عوضت المحكمة زيد عن بدل مساعدة الغير له في أيام عجزه عن خدمة نفسه بمبلغ قدره 35,000 شاقل للماضي.

5. عوضت المحكمة زيد عن تكاليف الاستشارات الطبية بمبلغ 6,000 شاقل.

ب‌. التعويض عن المستقبل

6. قررت المحكمة تعويض زيد عن السنوات المتبقية له للعمل حتى سن السابعة والستين أي تعويضه عن 31 سنة على أساس راتب شهري مقداره 9,000 شاقل وعجز وظيفي قدره 60%.
9,000 شاقل ضرب 12 شهر ضرب 31 سنة ضرب 60% نسبة العجز = 2,008,800 شاقل.
(في الواقع طريقة الحساب أعلاه مبسطة بعض الشيء لذا النتيجة في الحقيقة قد تكون اصغر قليلا)

7. عوضت المحكمة زيد عن المصاريف التي سيضطر لصرفها في المستقبل على نفسه للعلاج بمبلغ 30,000 شاقل.

8. عوضت المحكمة زيد عن بدل مساعدة الغير له في المستقبل بمبلغ قدره 35,000 شاقل.

9. قدرت المحكمة, بناءا على نوع الإصابة وطريقة حدوثها ونسبة العجز وبناءا على عدد أيام العلاج والمكوث في المستشفى, تعويض زيد عن الألم والمعاناة للماضي وللمستقبل بمبلغ قدره 150,000 شاقل.

10. مجموع التعويض 2,360,300 شاقل, من هذا المبلغ يخصم مخصصات التامين الوطني بقيمة 1,060,300 ويعوض زيد بمبلغ قدره مليون وثلاث مائة ألف شاقل 1,300,000 شاقل.

11. كذلك أمرت المحكمة بدفع مصاريف تقاضي لزيد بقيمة 25,000 شاقل, وأتعاب محاماة بنسبة 15% أي 195,000 شاقل بإضافة ضريبة القيمة المضافة.

12. وبذلك يصل مجموع التعويض الإجمالي لـ 2,580,300 شاقل تدفع منه شركة التامين نيابة عن عمر (المشغل) مبلغ 1,520,000 شاقل وتدفع مؤسسة التأمين الوطني مبلغ 1,060,300 شاقل.